فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فِي الصور}: قرأ العامَّةُ بضم الصادِ وسكونِ الواو. وابن عباسٍ والحسنُ بفتحِ الواوِ جمعَ صورة. وأبو رزين بكسر الصاد وفتح الواوِ وهو شاذٌّ، وهذا عكسُ لحى بضم اللام جمعَ لِحْية بكسرِها.
قوله: {فَلاَ أَنسَابَ} الأنسابُ: جمعُ نَسَب وهو القَرَابةُ مِنْ جهةِ الوِلادة، ويُعَبَّر به عن التواصلِ، وهو في الأصلِ مصدرٌ. قال الشاعر:
لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةً ** اتَّسَعَ الخَرْقُ على الرَّاقِع

قوله: {بَيْنَهُمْ} يجوزُ تَعَلُّقُه بنفسِ {أنساب}، وكذلكَ {يومئذٍ} أي: فلا قرابةَ بينهم في ذلك اليوم. ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل {أَنْساب}. والتنوينُ في {يومئذٍ} عوضٌ من جملةٍ، تقديرهُ: يومَ إذ يُنْفخ في الصُّور.
قوله: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}: يجوزُ أَنْ يكونَ {خالِدون} خبرًا ثانيًا ل {أولئك} وأَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هم خالدون، وقال الزمخشري: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} بدلٌ مِنْ {خَسِروا أنفسَهم}، ولا محلَّ للبدلِ والمبدلِ منه؛ لأنَّ الصلة لا مَحَلَّ لها. قال الشيخ: جَعَلَ {في جهنم} بدلًا مِنْ {خَسِروا} وهذا بدلٌ غريبٌ. وحقيقتُه أَنْ يكونَ البدلُ الفعلَ الذي تَعَلَّق به {في جهنم} أي: استقرُّوا في جهنم، وهو بدلُ شيءٍ مِنْ شيء؛ لأنَّ مَنْ خَسِر نفسَه استقرَّ في جهنَم.
قلت: فجعل الشيخُ الجارُّ والمجرورَ البدلَ دون {خالدون} والزمخشريُّ جعل جميع ذلك بدلًا، بدليلِ قولِه بعد ذلك: أو خبرٌ بعد خبرٍ ل {أولئك} أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ. وهذان إنما يليقان ب {خالدون}، وأمَّا {في جهنم} فمتعلِّقٌ به، فيحتاج كلامُ الزمخشريِّ إلى جوابٍ. وأيضًا فيصير {خالدون} مُفْلتًا. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ الموصولُ نعتًا لاسمِ الإِشارة وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ كونُه خبرًا له.
قوله: {تَلْفَحُ}: يجوزُ استئنافُه، ويجوز حاليَّتُه. ويجوز كونُه خبرًا آخرَ ل {أولئك}، واللَّفحُ: إصابةُ النارِ الشيءَ وكَلْحُها وإِحْراقُها له، وهو أشَدُّ من النَّفْخِ. وقد تقدَّم النفخ في الأنبياء.
قوله: {كَالِحُونَ} الكُلُوح: تَشْميرُ الشَّفَةِ العليا، واسترخاءُ السُّفْلى. وفي الترمذي: «تَتَقَلَّصُ شَفَتُه العليا، حتى تبلغَ وسطَ رأسِه، وتَسْتَرْخي السفلى حتى تَبْلُغَ سُرَّته» ومنه كُلوحُ الأَسَدِ أي: تكشيرُه عن أنيابِه. ودهرٌ كالِحٌ، وبردٌ كالحٌ أي: شديد. وقيل: الكُلُوْحُ هو: تَقْطيبُ الوجهِ وبُسُورُه. وكَلَح الرجلُ يَكْلَحُ كُلُوحًا وكِلاحًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)}.
يومئذٍ لا تنفع الأنسابُ وتنقطعُ الأسبابُ، ولا ينفع النّدم، وسيلقى كلٌّ غِبَّ ما اجترم؛ فَمَنْ ثَقُلتْ بالخيرات موازينُه لاحَ عليه تزيينُه. ومن ظهرَ ما يشينه فله من البلاء فنونه؛ تلفح وجوههم النار، وتلمح من شواهدهم الآثار، ويتوجه عليهم الحِجاج، فلا جواب لهم يُسْمَع، ولا عُذْر منهم يُقْبل، ولا عذاب عنهم يُرْفَع ولا عقابُ عنهم يُقطَع. اهـ.

.قال القرطبي:

.باب البرزخ:

روى هناد بن السري قال حدثنا محمد بن فضيل، ووكيع عن فطر قال سألت مجاهدًا عن قول الله تعالى: ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون قال هو مابين الموت والبعث. وقيل للشعبي: مات فلان. قال: ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة هو في برزخ، والبرزخ في كلام العرب الحاجز بين الشيئين. ومن قوله تعالى: {وجعل بينهما برزخًا} أي: حاجزًا وكذلك هو في الآية من وقت الموت إلى البعث فمن مات فقد دخل في البرزخ وقوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ} أي من أمامهم وبين أيديهم.

.باب ذكر النفخ الثاني للبعث في الصور:

وبيانه وكيفية البعث وبيانه. وأول من تنشق عنه الأرض. وأول من يحيى من الخلق. وبيان السن الذي يخرجون عليه من قبورهم. وفي لسانهم. وبيان قوله تعالى {وألقت ما فيها وتخلت} قال الله عز وجل {يوم ينفخ في الصور} {عالم الغيب والشهادة} وقال: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} وقال {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وقال {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجًا} وسماه الله تعالى أيضًا بالناقور في قوله تعالى {فإذا نقر في الناقور}.
قال المفسرون: الصور ينقر فيه مع النفخ الأول لموت الخلق على ما يأتي بيانه، قال الله تعالى مخبرًا عن كفار قريش ما ينظرون أي ما ينظرون كفار آخر هذه الأمة الدائنون بدين أبي جهل وأصحابه- إلا صيحة واحدة- يعني النفخة الأولى التي يكون بها هلاكهم تأخذهم وهم يخصمون أي يختصمون في أسواقهم وحوائجهم. قال الله: لا تأتيكم إلا بغتة فلا يستطيعون توصية أي أن يوصوا ولا إلى أهلهم يرجعون أي من أسواقهم وحيث كانوا إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون، ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث. والصور: قرن من نور يجعل فيه الأرواح يقال إن فيه من الثقب على عدد أرواح الخلائق على ما يأتي. قال مجاهد هو كالبوق ذكره البخاري، فإذا نفخ فيه صاحب الصور النفخة الثانية ذهب كل روح إلى جسده فإذا هم من الأجداث أي القبور ينسلون أي يخرجون سراعًا يقال نسل ينسل وينسل بالضم أيضًا: إذا أسرع في مشيه فالمعنى يخرجون مسرعين وفي الخبر: أن بين النفختين أربعين عامًا. وسيأتي. وفي البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} الصور: قال: والراجفة النفخة الأولى والرادفة الثانية.
وروي عن مجاهد أنه قال: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين عجلين ينظرون مايراد بهم لقوله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار أنهم يقولون {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}؟ فيقول لهم الملائكة أو المؤمنون على اختلاف المفسرين {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} وقيل إن الكفار هم القائلون: {هذا ما وعد الرحمن} وذلك أنهم لما بعثوا لما بعثوا قال بعضهم لبعض {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}؟ صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ثم قالوا: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} فكذبنا به أقروا حين لم ينفعهم الإقرار ثم يؤمر بحشر الجميع إلى الموقف للحساب.
وقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحر تقتسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فنلقيها الأمواج إلى الساحر فتمكث حينًا ثم تصير حائلة نخرة، ثم تمر بها الإبل فتأكلها ثم تسير الإبل فتبعر. ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه. ثم تخمد تلك النار فيجيء الريح فيلقي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة فإذا هم قيام ينظرون يخرج أولئك وأهل القبور سواء إن كانت إلا صيحة واحدة أي نفخة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون.
قال علماؤنا رحمهم الله: فالنفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور وغيرهم، فيعيد الله الرفات من أبدان الأموات، ويجمع ما تفرق منها في البحار وبطون السباع وغيرها، حتى تصير كهيئاتها الأولى، ثم يجعل فيها الأرواح فتقوم الناس كلهم أحياء حتى السقط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن السقط ليظل محبنطئًا على باب الجنة. ويقال له: ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخل أبواي وهذا السقط هو الذي تم خلقه ونفخ فيه الروح قال الله تعالى: {وإذا الموؤدة سئلت}» فدل على أن المؤودة تحشر وتسأل، ومن قبرها تخرج وتبعث. وأما من لم ينفخ فيه الروح فهو سائر الأموات سواء قاله الحاكم أبو الحسين بن الحسن الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له.
وبالحقيقة إنما خروج الخلق بدعوة الحق قال الله تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} فتقومون فتقولون: سبحانك اللهم وبحمدك. قالوا: فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد، ويختم به. قال الله تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} وقال في آية أخرى {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين}.
ابن ماجه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج بن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبي الصور بأيديهما- أو في أيديهما- قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران».
الترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه» قال هذا حديث حسن.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ؟» فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» قال حديث حسن.
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماأطرق صاحب الصور منذ وكل به مستعدًا بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريان» أخرجه أبو الحسن بن صخر في فوائده وغيره.
وخرج ابن المبارك ومؤمل بن إسماعيل وعلي بن معبد عن ابن مسعود حديثًا ذكر فيه قال: ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، والصور قرن فلا يبقى لله خلق في السموات والأرض إلا مات إلا ما شاء ربك. ثم يكون بين النفختين ماشاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض شيء منه زاد مؤمل بن إسماعيل قال سفيان- يعني الثوري- عجب الذنب قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش: منيًا كمني الرجال فتنبت جثمانهم ولحمانهم كما تنبت الأرض من الثرى ثم قرأ عبد الله والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابًا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور قال: ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه ثممون فيجيبون إجابة رجل واحد قيامًا لرب العالمين وقال ابن المبارك ومؤمل: ثم يقومون فيحيون تحية واحدة.
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود قال: فيقومون فيحيون تحية رجل واحد قيامًا لرب العالمين. قوله: فيحيون التحية تكون في حالين:
أحدهما: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم وهذا هو المعنى الذي في هذا الحديث ألا تراه يقول: قيامًا لرب العالمين.
والوجه الآخر: أن ينكب على وجهه باركًا وهذا هو الوجه المعروف عند الناس، وقد حمله بعض الناس على قوله فيخرون سجدًا لرب العالمين فجعل السجود هو التحية وهذا هو الذي يعرفه الناس من التحية.
وروي عن علي بن معبد عن أبي هريرة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في طائفة من أصحابه وساق الحديث بطوله إلى قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه «{لله الواحد القهار} ثم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها بسطًا ثم يمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى: من كان في بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها. ثم ينزل الله عليكم ماء من تحت العرش يقال له: ماء الحياة فتمطر السماء عليكم أربعين سنة حتى يكون الماء من فوقكم اثني عشر ذراعًا. ثم يأمر الله عز وجل الأجساد فتنبت كنبات الطراثيث. وكنبات البقل حتى إذا تكلمت أجسادكم فكانت كما كانت يقول الله عز وجل: ليحى حملة العرش فيحيون. ثم يقول: ليحى جبريل وميكائيل وإسرافيل فيأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، ثم يدعو الله تعالى الأرواح فيؤتى بها. تتوهج أرواح المسلمين نورًا والأخرى مظلمة فيأخذها الله فيلقيها في الصور. ثم يقول لإسرافيل انفخ نفخة البعث فينفخ فتخرج الأرواح كلها كأمثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي ليرجع كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم. وأنا أول من تنشق الأرض عنه فتخرجون منها شبابًا كلكم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية سراعًا إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ذلك يوم الخروج وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا فتوقفون في موقف عراة غلفًا غرلًا مقدار سبعين عامًا ويعرقون حتى تبلغ منهم الأذقان، ويلجمهم فيضجون ويقولون: من يشفع لنا إلى ربنا؟» وساق الحديث بطوله في الشفاعة. وسيأتي حديث الشفاعة في صحيح مسلم وغيره إن شاء الله تعالى.